الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: التنبيه والإشراف **
وبويع علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ويكنى أبا الحسن وأمه فاطمة ابنة أسد بن هاشم بن عبد مناف في اليوم الذي قتل فيه عثمان قال المسعودي: وكان بين بيعته إلى وقعة الجمل بالبصرة خمسة أشره واحد وعشرون يوماً وقتل من أصحاب الجمل ثلاثة عشر ألفاً من الأزد أربعة آلاف وقيل دون ذلك ومن ضبة ألف ومائة وباقيهم من سائر الناس وقتل من أصحاب علي رضي الله عنه نحو ألف وقيل دون ذلك أو أكثر. وكانت الوقعة يوم الخميس لعشر ليال خلون من جمادى الآخرة سنة 36 وبين وقعة الجمل والتقائه مع معاوية للقتال بصفين سبعة أشهر وثلاثة عشر يوماً وكان أول يوم وقعت الحرب بينهم بصفين يوم الأربعاء غرة صفر سنة 37 وتنوزع في عدة من كان مع علي عليه السلام فمكثر ومقلل والمتفق عليه من تنازعهم أنه كان في تسعين ألفاً وكان معاوية في مائة ألف وعشرين ألفاً وقيل دون ذلك وأكثر منه وقتل بصفين سبعون ألفاً من أصحاب علي رضي الله عنه منهم خمسة وعشرون ألفاً منهم خمسة وعشرون بدرياً من الصحابة. منهم عمار بن ياسر العنسي عنس بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب ابن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان وكان حليفاً لبني مخزوم وقتل من أصحاب معاوية خمسة وأربعون ألفاً وقيل في عدة من قتل بينهما دون ذلك أو أكثر. وكان المقام بصفين مائة يوم وعشرة أيام والوقائع بينهم تسعون وقيعة وبين وقعة صفين والتقاء المحكمين ابي موسى الأشعري وعمرو بن العاص بدومة الجندل في شهر رمضان سنة 38 سنة وخمسة أشهر وأربعة وعشرون يوماً وبين والتقائهما وخروج علي إلى الخوارج بالنهروان وقتله إياهم سنة وشهران. وكانت الخوارج أربعة آلاف عليهم عبد الله بن وهب بن الراسبي راسب ابن ميدعان بن مالك بن نصر بن الأزد وليس براسب بن الخزرج بن جدة بن جرم بن ربان بالراء بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة ولا راسب في العرب من معد وقحطان غير هذين فتفرقوا عند نزول علي رضي الله عنهم بإزائهم ودعائه إياهم وبقي عبد الله بن وهب في ألف وثمانمائة وقيل ألف وخمسمائة وقيل ألف ومائتين فقتلوا إلا نفراً قليلاً وقيل إن السبب في تفرق من تفرق عنه أن الخوارج تنادوا عند إحاطة أصحاب علي عليهم السلام بهم وإسراعهم فيهم يا إخوتنا أسرعوا بنا الروحة إلى الجنة فقال عبد الله بن وهب: فلعلها إلى النار فقال من فارقه مرائياً: نقاتل مع رجل شاك. ففارقوه وبين خروجه إلى الخوارج وقتل عبد الرحمن بن ملجم اليحصبي وعداده في مراد إياه سنة وخمسة أشهر وخمسة أيام وكثير من الخوارج لا يتولى ابن ملجم لقتله إياه غيلة وبين ذلك وبين أول الهجرة تسع وثلاثون سنة وثمانية أشهر وعشرون يوماً. واستشهد بالكوفة في أول العشر الأواخر من شهر رمضان سنة 40 وتنوزع في مقدار عمره فذهب قوم إلى أن استشهد وله ثمان وستون سنة. هذا قول من يذهب إلى أنه أسلم وله خمسة عشرة سنة وقال آخرون استشهد وله ست وستون سنة هذا قول من يذهب إلى أنه أسلم وله ثلاث عشرة سنة. وقال آخرون استشهد وله ثلاث وستون سنة هذا قول من يرى أنه أسلم وله عشر سنين. وقد ذكرنا فيما تقدم من هذا الكتاب عند ذكرنا مبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم وهجرته التنازع في أول من أسلم وقول من قال إنه أسلم وله دون ذلك إلى خمس سنين وهؤلاء يذهبون إلى أن استشهد وله ثمان وخمسون سنة. وهذا أقل ما قيل في مقدار عمره وبينا أغراضهم في ذلك وقصدهم لإزالة فضائله ودفع مناقبه وتنوزع في موضع قبره فمنهم من قال دفن بالغري وهو الموضع المشهور في هذا الوقت على أميال من الكوفة ومنهم من قال دفن في مسجد الكوفة ومنهم من قال بل في رحبة القصر بها ومنهم من قال بل حمل إلى المدينة فدفن بها مع فاطمة وغير ذلك من الأقاويل مما قد أتينا على وقد ذكرنا مقاتل آل أبي طالب وأنسابهم ومواضع قبورهم ومصارعهم في كتابنا في أخبار الزمان ومن أباده الحدثان من الأمم الماضية والأجيال الخالية والممالك الداثرة وفي رسالة البيان من أسماء الأئمة وما قالته الإمامية في ذلك ومقادير أعمارهم وكيفية أعدادهم. وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر وثمانية أيام وكان أسمر عظيم البطن أصلع أبيض الرأس واللحية أدعج عظيم العينين ليس بالطول ولا بالقصير تملأ لحيته صدره لا يغير شيبه وكان كاتبه عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونقش خاتمه الملك لله وقاضيه شريح وحاجبه قنبر مولاه وكان له من البنين أحد عشر الحسن والحسين أمهما فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومحمد بن الحنفية وأمه خولة ابنة جعفر بن قيس بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع ابن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل وعمر أمه أم حبيب الصهباء بنت ربيعة بن بحير بن العبد بن علقمة بن الحارث بن عتبة ابن سعد بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن تغلب بن وائل والعباس أمه أم البنين ابنة حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد وهو عامر بن كعب ابن عامر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن وعبد الله جعفر وعثمان ومحمد الأصغر ويكنى أبا بكر وعبيد الله ويحيى والمعقبون منهم خمسة الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية وعمر والعباس ومن البنات ست عشرة منهن زينب وأم كلثوم وأمهما فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فالعقب للحسن بن علي بن أبي طالب بن زيد والحسن والعقب لزيد بن الحسن بن زيد والعقب للحسن بن الحسن من جعفر وداود وعبد الله والحسن ومحمد وإبراهيم والعقب للحسين بن علي بن أبي طالب من علي الأصغر ابن الحسين والعقب لعلي بن الحسين من محمد وعبد الله وعمر وزيد والحسين بن علي والعقب لمحمد بن الحنفية من جعفر وعلي وعون وإبراهيم والعقب لجعفر ابن محمد من عبد الله ولعلي بن محمد من عون ولعون بن محمد من محمد ولإبراهيم بن محمد من محمد فأما أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية وهو أكبر ولده فقد ظن قوم أن له عقبا ولم يعقب والعقب لعمر بن علي بن أبي طالب من محمد بن عمر والعقب لمحمد بن عمر من عمر وعبد الله وعبيد الله وجعفر والعقب للعباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام من عبيد الله بن العباس والعقب لعبيد الله من الحسن بن عبيد الله وكان العقب لأبي طالب بن عبد المطلب من ثلاثة عقيل وجعفر وعلي لأن طالباً الذي به كان يكنى لا عقب له وبين كل واحد من الأخوة عشر سنين أكبرهم طالب ثم يليه عقيل ثم يلي عقيلاً جعفر ويلي جعفراً علي وكان له من البنات اثنتان أم هانئ وجمانة. قال المسعودي: فإذ قد بينا ولد أمير المؤمنين علي وعقبه فلنذكر ولد جعفر وعقيل والمعقبين منهم ولد جعفر بن أبي طالب عبد الله وعون ومحمد المقتول بصفين التقى وعبيد الله بن عمر بن الخطاب فقتل كل واحد منهما صاحبه وإلى هذا ذهب نساب آل أبي طالب وإن كانت ربيعة تنكر ذلك وتذكر أن بكر بن وائل قتلت عبيد الله بن عمر المعقب منهم عبد الله. وبه كان يكنى وقيل بأبي الفضل والأول أشهر والعقب لعبد الله من علي واسحق ومعاوية وإسماعيل. وولد عقيل بن أبي طالب يزيد وبه كان يكنى ومحمداً وسعيداً وجعفراً الأكبر وأبا سعيد الأحول ومسم بن عقيلن وعبد الله الأكبر وعبد الله الأصغر وجعفراً الأصغر وحمزة وعيسى وعثمان وعلياً الأصغرن المعقب منهم محمد والعقب لمحمد من عبد الله بن محمد. وما ذكرنا من أنساب آل أبي طالب فمن كتاب أنسابهم الذي حدثنا به طاهر بن يحيى بن حسن بن جعفر بن عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه ومما أخذناه من ذوي المعرفة منهم بأنسابهم. وما ذكرنا من عقب أبي بكر وعمر وعثمان فمن كتاب أنساب قريش للزبير ابن بكار: وما حدثنا به أبو بكر عبد الله بن محمد المعري القاضي بمكة وأبو الحسن أحمد بن سعيد الدمشقي الأموي وأبو الحسين الطوسي وحرمي وغيرهم بمدينة السلام ومما أخذناه عن ذوي الدراية منهم بأنسابهم.
وبويع الحسن بن علي بن أبي طالب ويكنى أبا محمد وأمه فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - بعد وفاة أبيه بيومين وذلك لسبع بقين من شهر رمضان سنة 40 ثم صالح معاوية في شهر ربيع الأول سنة 41 وقد رأى قوم أن ذلك كان في جمادى الآخرة أو الأولى من هذه السنة والأول أشهر وأصح عندما من مدة أيامه. وكانت خلافته إلى أن صالحه ستة أشهر وثلاثة أيام وهو أول خليفة خلع نفسه وسلم الأمر إلى غيره. وتوفي بالمدينة مسموماً فيما ذكر في شهر ربيع الأول سنة 49 وله ست وأربعون سنة ودفن ببقيع الغرقد مع أمه فاطمة عليها السلام. وهناك إلى هذا الوقت رخامة مكتوب عليها الحمد لله مبيد الأمم ومحيي الرمم هذا قبر فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سيدة نساء العالمين والحسن بن علي بن أبي طالب وعلي بن الحسين بن علي. ومحمد بن علي وجعفر بن محمد رضوان الله عليهم أجمعين. وكان الحسن أحد المشبهين برسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ما ذكرنا من صفته ومن أشبهه في كتاب الاستذكار. وكان كاتبه عبيد الله بن أبي رافع وقاضيه شريح وحاجبه سالم مولاه. وقيل قنبر.
وبويع معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ويكنى أبا عبد الرحمن وأمه هند ابنة عتبة بن ربيعة بن عبد شمس - في شهر ربيع الأول سنة 41. وتوفي بدمشق في رجب سنة 60 وله ثمانون سنة ودفن بدمشق في الموضع المعروف بباب الصغير. وقبره مشهور في تلك المقبرة وقيل بل في الدار المعروفة بدمشق الخضراء إلى هذا الوقت في قبلة المسجد الجامع وفيها الشرطة والحبوس. وكان بها ينزل ومن ولي الأمر بعده من بني أمية ممن سكن بدمشق وإن الذي في مقبرة باب الصغير قبره قبر معاوية بن يزيد بن معاوية. وكانت أيامه تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر وأياماً وكان طويلاً مسمناً أبيض كبير العجيزة قصير الهامة جهم الوجه جاحظ العينين عريض الصدر وافر اللحية يخضب بالحناء والكتم. وكان داهية ذا مكر وذا رأي وحزم في أمر دنياه إذا رأى الفرصة لم يبق ولم يتوقف وإذا خاف الأمر دارى عنه وإذا خصم في مقال ناضل عنه. وقطع الكلام على مناظره. وكتب له عبيد بن أوس الغساني وسرجون بن منصور الرومي. وعبد الملك ابن مروان فيما قيل وعبد الرحمن بن دراج وسليمان بن سعيد مولى خشن. وكان نقش خاتمه لا قوة إلا بالله وعلى قضائه فضالة بن عبيد الأنصاري وحاجبة صفوان مولاه وقيل يزيد مولاه. ومات عمرو بن العاص بن وائل السهمي بفسطاط مصر يوم الفطر سنة 43 وهو وال لمعاوية عليها وله تسع وثمانون سنة. وقيل له تسعون سنة. وإنما ذكرنا وفاته لأن كثيراً ممن لا علم له يقول أنه توفي بعد معاوية وتوفي أكثر أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم في أيامه منهن أخته أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان في سنة 44. وحفصة بنت عمر بن الخطاب 45. وصفية بنت حيي ابن أخطب في سنة 50. وجويرية ابنة الحارث المصطلقية في سنة 56 وعائشة ابنة أبي بكر في سنة 58. وأم سلمة في سنة 59.
ذكر أيام وبويع يزيد بن معاوية ويكنى أبا خالد - وأمه ميسون ابن بحدل الكلبية من بني حارثة بن جناب بن هبل بن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف ابن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب في رجب سنة 60 وامتنع من بيعته الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعبد الله بن الزبير حين أخذهما عامل المدينة بذلك وخرجا إلى مكة فأقام ابن الزبير بها وشخص الحسين يريد العراق حين تواترت عليه كتبهم وترادفت رسلهم ببيعته والسمع والطاعة له فلما قرب من الكوفة وقد قدم إليها ابن عمه مسلم ابن عقيل خذله أهل العراق ولم يفول له بما كاتبوه به ووافقوه عليه وانفضوا عن مسلم وأسلموه إلى عبيد الله بن زياد فقتله. وسير الجيوش إلى الحسين مع عمر بن سعد بن أبي وقاص فقتل يوم الجمعة لعشر ليال خلون من المحرم سنة 61 وقيل إن قتله كان يوم الاثنين والأول أشهر وعليه الأكثر. ودفن بكربلاء من أرض العراق وله سبع وخمسون سنة وقتل معه من ولد أبيه ستة وهم العباس وجعفر وعثمان ومحمد الأصغر وعبد الله وأبو بكر ومن ولده ثلاثة علي الأكبر وعبد الله صبي وأبو بكر بنو الحسين بن علي ومن ولد الحسن بن علي عبد الله والقاسم ومن ولد عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عون ومحمد ومن ولد عقيل بن طالب خمسة مسلم وجعفر وامتنع ابن الزبير من بيعة يزيد وكان يسميه السكير الخمير. وأخرج عامله عن مكة وكتب إلى أهل المدينة ينتقصه ويذكر فسوقه ويدعوهم إلى معاضدته على حربه وأخرج عامله عنهم. وإخراج أهل المدينة عامله ومروان بن الحكم وولده وغيرهم من بني أمية وسيروهم إلى الشام فبعث إليهم يزيد مسلم ابن عقبة المري في أربعة آلاف ومعه زفر بن الحارث الكلابي. وحبيش بن دلجة القيني والحصين بن نمير الكندي وعبد الله بن مسعدة الفزاري وغيرهم من رؤساء الأجناد. وخرج يزيد مشيعاً لهم وموصياً. فقال لمسلم بن عقبة فيما وصاه به: أن حدث بك وحدث فالأمر إلى الحصين بن نمير وإذا قدمت إلى المدينة فمن عاقك عن دخولها أو نصب لك حرباً فالسيف السيف ولا تبقى عليهم وانتهبها عليهم ثلاثاً وأجهر على جراحهم. واقتل مدبرهم. وإن لم يعرضوا لك فامض إلى مكة فقاتل ابن الزبير. فأرجو أن يظفرك الله به وأنشأ يزيد يقول والرايات تمر وقد علا على نشر من الأرض وأحاطت به الخيول: أبلغ أبا بكر إذ الأمر انبرى وانحطت الرايات من وادي القرى أجمع سكران من القوم ترى أم جمع يقظان نفي عنه الكرى وكان ابن الزبير يكنى أبا بكر وأبا خبيب وسار مسلم إلى المدينة وقد احتفر أهلها خندق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي كان حفره يوم الأحزاب وشكوا المدينة بالحيطان وقال إن بالخندق المكلل بالم د لضرباً بيدي عن النشوات لست منا وليس خالك منا يا مضيع الصلوات للشهوات فإذا ما قتلنا فتنصر واشرب الخمر واترك الجمعات فالتقوا بالحرة لثلاث بقين من ذي الحجة سنة 63 وكان على قريش وحلفائهم ومواليهم عبد الله بن مطيع العدوي ابن عم عمر بن الخطاب وعلى الأنصار وسائر الناس عبد الله بن حنظلة الغسيل بن أبي عامر الأنصاري ثم الأوسي فاقتتلوا قتالاً شديداً فقتل عبد الله بن حنظلة في عدة من المهاجرين والأنصار وأبنائهم ومواليهم وحلفائهم وغيرهم من ذلك من قريش والأنصار نحو من سبعمائة رجل ومن سائر الناس من الرجال والنساء والصبيان نحو من عشرة آلاف فيما ذكر محمد بن عمر الواقدي صاحب المغازي الكبير وقيل دون ذلك وأكثر ودخل مسلم المدينة فانتهبها ثلاثة أيام وبايع من بقي من أهلها على أنهم قن ليزيد والقن العبد الذي ملك أبواه وعبد مملكة الذي ملك في نفسه وليس أبواه مملوكين غير علي بن أبي الحسين بن علي بن أبي طالب لأنه لم يدخل فيما دخل فيه أهل المدينة وعلي بن عبد الله بن العباس فإن من كان في الجيش من أخواله من كندة منعوه. فكان ذلك من أعظم الأحداث في الإسلام وأجلها وأفظعها رزء بعد قتل الحسين بن علي بن وهناك يزيد بحوارين من أرض دمشق مما يلي قارا والقطيفة طريق حمص في البر لسبع عشرة ليلة خلت من صفر سنة 64 وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة. وكانت أيامه ثلاث سنين وسبعة أشهر واثنين وعشرين يوماً وكان آدم شديد الأدمة عظيم الهامة بوجهه أثر جدري بين يبادر بلذته ويجاهر بمعصيته ويستحسن خطأه ويهون الأمور على نفسه في دينه إذا صحت له دنياه. وكتب له عبيد بن أوس الغساني وزمل بن عمرو العذري وسرجون ابن منصور. وكان نقش خاتمه ربنا الله وقاضيه أبو إدريس الخولاني وحاجبه خالد مولاه وقيل صفوان. ذكر أيام معاوية بن يزيد بن معاوية وبويع معاوية بن يزيد بن معاوية ويكنى أبا عبد الرحمن وإنما كني أبا ليلى تقريعاً له لعجزه عن القيام بالأمر وكانت العرب تفعل ذلك بالعاج من الرجال وفيه قال الشاعر: إني أرى فتنة تغلي مراجلها والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا وقيل بل الشعر قديم تمثل به الشاعر في أيامه وأمه أم خالد ابنة أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة - في اليوم الذي هلك في أبوه يزيد وتوفي بدمشق في شهر ربيع الأول سنة 64 ودفن بها. وكانت أيامه أربعين يوماً وقيل أقل من ذلك وأكثر وكان ربعة من الرجال نحيفاً يعتريه صفار. وكتب له زمل بن عمرو العذري وسليمان بن سعيد الخشني وسرجون النصراني وكان نقش خاتمه بالله ثقة معاوية وقاضيه أبو إدريس الخولاني وحاجبه صفوان مولاه.
وبويع مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ويكنى أبا عبد الملك وأبا الحكم وأمه آمنة ابنة علقمة بن صفوان بن أمية في رجب سنة 64 بعد تنازع طويل كان بين شيعة بني أمية ومن يهوى هواهم في عقد الأمر له أو لخالد بن يزيد بن معاوية وذلك أن الأمر اضطرب بعد معاوية بن يزيد بن معاوية. وبايع الضحاك بن قيس الفهري وهو أمير دمشق يومئذ عبد الله بن الزبير وكذلك النعمان بن بشير الأنصاري بمصر زفر بن الحارث الكلابي بقنسرين وناتل بن قيس الجذامي بفلسطين ودعي له على سائر منابر الحجاز ومصر والشأم والجزيرة والعراق وخراسان وسائر أمصار الإسلام إلا طبرية من بلاد الأردن فإن حسان بن مالك بن بحدل الكلبي من بني حارثة بن جناب وكان بها امتنع من الدعاء لابن الزبير والدخول في طاعته واراد عقد الأمر لخالد ابن يزيد وكان ابن أختهم واجتمع بنو أمية وشيعتهم ومن يميل إليهم من رؤساء الشأم فتشاوروا في عقد الأمر لخالد بن يزيد وأبى آخرون إلا أن يعقدوا لمروان إذ كان خالد صبياص لا يقاوم ابن الزبير ومروان شيخ مجرب بقية بني أمية في وقته وكان تشاورهم بالجابية بين دمشق وطبرية فأجمعوا على عقد الأمر له فبويع له بالخلافة وجعل الأمر بعده لخالد بن يزيد بن معاوية ولعمرو بن سعيد الأشدق بعده. وخرج الضحاك عن مدينة دمشق فيمن معه من الزبيرية واستمد من بالشأم على طاعة ابن الزبير فأمدوه بالجيوش والمالولاسلاح فصارى في ثلاثين ألفاً من قيس بن عيلان وغيرهم من مضر وأكثرهم فرسان وكان مروان في ثلاثة عشرة ألفاً من اليمن من كلب وسواهم وأكثرها رجالة وفي ذلك اليوم يقول مروان: لما رأيت الناس مالوا جنباً والملك لا يؤخذ إلا غصبا أعددت غسان لهم وكلباً والسكسكيين رجالاً غلبا وطيئاً يأبون إلا ضرباً والقين تمشي في الحديد نكبا ومن تنوخ مشمخراً صعباً بالأعوجيات يثبن وثبا فالتقوا بمرج راهط فاقتتلوا قتالاً شديداً فقتل الضحاك في جمع كثير من القيسية وانهزم الباقون وقيل إنهم أقاموا بالمرج عشرين يوماً يقتتلون في كل يوم والحرب بينهم سجال. وإن مروان كادهم ودعاهم إلى الموادعة والصلح فلما اطمأنوا إلى ذلك شد عليهم وهم غارون على غير عدة ولا أهبة فكان ذلك سبب هزيمتهم فكانت هذه الوقعة سبب رد ملك بني أمية وقد كان زال عنهم إلى بني أسج بن عبد العزى ولذلك رأى قوم أن مروان أول من أخذ الخلافة بالسيف وهذه الوقعة من الوقائع المشهورة والأيام المذكورة واليمانية تفتخر بها على النزارية وقد أكثرت شعراؤها الافتخار بذلك قال عمرو بن مخلاة الحمار الكلبي: شفى النفس قتلى لم توسد خدودها تلم بها طلس الذئاب وسودها بايدي كماة في الحروب مساعر على ضامرات ما تجف لبودها أبحنا حمى الحيين قيس براهط وولت شذاذاً واستبيح شريدها قول أيضاً: رددنا لمروان الخلافة بعد ما جرى للزبيريين كل بريد فألا يكن منا الخليفة نفسه فما نالها إلا ونحن شهود وقال زفر بن الحارث الكلابي يعتذر من فراره ذلك اليوم: أتذهب كلب لم تنلها رماحنا وتترك قتلى راهط هي ما هيا فقد ينبت المرعى على دمن الثرى وتبقى حزارات النفوس كما هيا أريني سلاحي لا أبالك إنني أرى الحرب لا تزداد إلا تماديا فلم تر مني نبوة قبل هذه فراري وتركي صاحبي ورائيا ونجاك شدات الأغر كأنما يرى الأكم من أجبال سلمى صحاريا فلما أمنت القوم وامتدت الضحى بسنجار أذريت الدموع الدواريا فرد عليه جواس بن القعطل الكلبي فقال: لعمري لقد أبقت وقيعة أرهط على زفر داء من الداء باقيا مقيماً ثوى بين الضلوع محله وبين الحشا أعيا الطبيب المداويا دعا بسلاح ثم أحجم إذ رأى سيوف جناب والطول المذاكيا عليها كأسد الغاب فتيان نجدة إذا ما انتضوا عند النزال العواليا وفي ذلك يقول الفرزدق: وقد جعلت للحين في المرج والقنا لمروان أيام عظام الملاحم ولكن قيساً روغمت يوم راهط بطود أبي العاص الشديد الدعائم وقال كثير بن عبد الرحمن الخزاعي مخاطباً لعبد الملك: أبوك حمى أمية حين زالت دعائمها وأصحر للضراب وكان الملك قد وهيت قواه فرد الملك منها في النصاب وقال عبد الرحمن بن الحكم أخو مروان بن الحكم: أرى أحاديث أهل المرج قد بلغت أقصى الفرات وأهل الفيض والنيل أموالهم حرة في الأرض تلقطها فرسان كلب على الجرد الهذاليل ثم سار مروان بعقب ذلك إلى مصر وهم في طاعة ابن الزبير وكانت له معهم حروب عظيمة قتل فيها خلق كثير من الفريقين إلى أن استوسقوا على طاعته وأخرجوا عبد الرحمن بن جحم الفهري عامل ابن الزبير عنهم. واستخلف مروان عليها ابنه عبد العزيز وذلك في سنة 65 وعاد إلى دمشق وسرح عبيد الله بن زياد في جيوش كثيفة للغلبة على الجزيرة والعراق وولاه كل بلد يغلب عليه فسار في نحو من ثمانين ألفاً فلما صار ببلاد الجزيرة بلغه مسير سليمان بن صرد الخزاعي والمسيب بن نجبة وغيرهما في نحو من أربعة آلاف يطلبون بدم الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام وكانوا يسمون جيش التوابين حتى صاروا إلى عين الوردة وهي رأس العين فسرح إليهم عبيد الله ابن الحصين بن نمير وغيرهم من رؤساء الشأم فالتقوا بها فاقتتلوا قتالاً شديداً فقتل سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة وأكثر ذلك الجيش وتحمل من بقي في أول الليل راجعين إلى الكوفة. وذلك في السنة وهي سنة 65 وكانت وفاة مروان بن الحكم بدمشق لثلاث خلون من شهر رمضان من هذه السنة ودفن بها وله إحدى وستون سنة. وكانت ولايته تسعة أشهر وأياماً وكان طوالاً أزرق بعيد الغور يركب الأمور بغير رهبة ويمضي للتدبير على غير روية وكتب له أبو الزعيزعة مولاه وابن سرجون النصراني سليمان بن سعيد الخشني وعبيد بن أوس الغساني. وكان نقش خاتمه العزة لله وقيل آمن بالله وقيل آمنت بالله العزيز الحكيم وقيل آمن بالعزيز الحكيم وقاضيه أبو إدريس الخولاني وحاجبه أبو سهيل الأسود مولاه وقيل أبو المنهال مولاه. ذكر أيام عبد الملك بن مروان وبويع عبد الملك بن مروان ويكنى أبا الوليد وأمه عائشة ابنة معاوية بن المغيرة ابن أبي العاص بن أمية في رجب سنة 65 والحجاز والعراق وفارس وخراسان وما يلي ذلك من البلاد بيد ابن الزبير وغلب المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي على الكوفة وأظهر الدعاء إلى ابن الحنفية وتجرد لقتلة الحسين فأباد منهم خلقاً كثيراً. وسار عبيد الله بن زياد إلى الموصل وسير المختار إبراهيم بن الأشتر مالك ابن الحارث النخعي للقائه في اثني عشر ألفاً فالتقوا بالزاب من أرض الموصل فاقتتلوا قتالاً شديداً. فقتل عبيد الله بن زياد والحصين بن نمير السكوني وشرحبيل بن ذي الكلاع الحميري في خلق عظيم من أهل الشأم وذلك يوم عاشوراء سنة 67 وفي قتل عبيد الله يقول ابن مفرغ الحميري: إن الذي عاش ختاراً بذمته ومات عبداً قتيل الله بالزاب ولم يزال المختار مقيماً بالكوفة إلى أن سار مصعب بن الزبير في أهل البصرة ومعه المهلب بن أبي صفرة الأزدي ثم العتيكي وغيره من الرؤساء فهزمه وحصره في قصر الإمارة بالكوفة إلى أن خرج مستميتاً في نفر من أصحابه فجالد حتى قتل. وذلك للنصف من شهر رمضان من هذه السنة وهي سنة 67 ونزل من بقي من أصحاب المختار وهم نحو من ستة آلاف على حكم مصعب فقتلهم جميعاً وكانوا يسمون الخشبية قال المسعودي: وسار عبد الملك إلى العراق فالتقى مع مصعب بن الزبير بمسكن من أرض العراق فقتل مصعب في جمادى الأولى سنة 72. وفي ذلك يقول عبيد الله بن قيس الرقيات وكان من شيعة آل الزبير: إن الرزية يوم مس كن والمصيبة والفجيعة بابن الحواري الذي لم يعده يوم الوقيعة غدرت به مضر العرا ق وأمكنت منه ربيعة ووجه بالحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف واسم ثقيف قسي ابن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر في عساكره إلى عبيد الله بن الزبير بن العوام فحصره بمكة ثم بالمسجد الحرام وقتل به يوم الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة 73 وله ثلاث وسبعون سنة وأمر به الحجاج فصلب وأمه أسماء ابنة أبي بكر ذات النطاقين أخت عائشة لأمها وأبيها وهي يومئذ باقية قد بلغت من السن مائة سنة لمي قع لها سن ولا ابيض لها شعر ولا أنكر لها عقل غير أنها ذاهبة البصر وكانت مدة أيامه وفتنته مذ مات معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان إلى أن قتل ثمان سنين وتسعة أشهر. ومما كان في أيام عبد الملك بن مروان من الحوادث العظيمة والأنباء الجليلة في الملك خلع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس بن معدي كرب الكندي في سنة 81 وكان الحجاج وجهه في جيش كثيف حسن العدة وكان يسمى جيش الطواويس إلى سجستان لغزو رتبيل ملك زابلسنان ففتح كثيراً من بلادهم وكتب إليه الحجاج يستعجزه ويغلظ له فدعا من معه من رؤساء أهل العراق إلى خلع الحجاج فأجابوه إلى ذلك لبغضهم الحجاج وخوفهم سطوته فخلعوه. وسار عبد الرحمن راجعاً لإخراج الحجاج من العراق ومسألة عبد الملك إبدالهم به فلما عظمت جموعه ولحق به كثير من أهل العراق ورؤسائهم وقرائهم ونساكهم عند قربه منها خلع عبد الملك وذلك بإصطخر فارس وخلعه الناس جميعاً وسمى نفسه ناصر المؤمنين وذكر أنه القحطاني الذي ينتظره اليمانية وأنه يعيد الملك فيها فقيل له إن القحطاني على ثلاثة أحرف فقال اسمي عبد وأما الرحمن فليس من اسمي وسار الحجاج للقائه حتى لقيه دون تستر من كور الأهواز بسبعة فراسخ فهزم أصحاب الحجاج وقتل منهم نحو من ثمانية آلاف. وسار الحجاج إلى البصرة فنزل الراوية وسار ابن الأشعث حتى نزل الخريبة وذلك في سنة 83. فأقاموا يقتتلون نحواً من شهرين ثم خرج ابن الأشعث إلى الكوفة ليلاً ليتغلب عليها في نفر يسير وأصبح أصحابه فبايعوا عبد الرحمن بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب فلقيهم الحجاج فهزمهم ولحقوا بابن الأشعث فخرج ابن الأشعث من الكوفة حتى نزل دير الجماجم وسار الحجاج حتى نزل دير قرة وكان كتب إلى عبد الملك يستمده فأمده بابنه عبد الله بن عبد الملك وأخيه محمد بن مروان فاقتتلوا بدير الجماجم نحواً من أربعة أشهر فكانت الوقائع بينهم فيما قبل نحواً من ثمانين وقعة وابن الأشعث في نحو من ثمانين ألفاً وقيل أكثر من ذلك. والحجاج في دون جمعه ولم يكن بعد وقائع صفين أعظم من هذه الحروب ولا أهول من هذه الزحوف ثم انهزم ابن الأشعث وأهل العراق وقتل منهم جمع كثير وسار ابن الأشعث إلى البصرة وتبعه الحجاج فخرج عنها فكان التقاؤهم بمسكن من أرض العراق فهزم أهل العراق وقتلوا قتلاً ذريعاً ومضى ابن الأشعث فيمن تبعه حتى صار إلى سجستان وكاتب رتبيل وصار إليه فوجه الحجاج بجيش كثيف إلى سجستان. وكتب إلى رتبيل بتسليم ابن الأشعث فيمن تبعه ورغبه إن فعل ذلك في مال جزيل ورفع الأتاوة عنه ويخوفه إن أبى ذلك بقصده وتسرية الجيوش إليه فغدر به رتبيل وسلمه إلى صاحب الحجاج فسار به يريده فألقى ابن الأشعث نفسه من فوق قصر من قصور الرخّج فمات فأخذ رأسه وصير به إلى الحجاج وذلك في سنة 84. فوجه به الحجاج إلى عبد الملك فوجه به عبد الملك إلى أخيه عبد العزيز يا بعد مصرع جثة من رأسها رأس بمصر وجثة بالرخّج قتلوه بغياً ثم قالوا بايعوا وجرى البريد برأس أروع بلج وتوفي عبد الملك بدمشق لعشر خلون من شوال سنة 86 ودفن بها وله اثنتان وستون سنة وقيل أكثر من ذلك فكانت أيامه إحدى وعشرين سنة وشهرين وعشرة أيام وكان أسمر مربوعاً طويل اللحية يباشر الأمور بنفسه متيقظاً في سلطانه حازماً في رأيه لا يكل الأمور في أعدائه وأهل حربه إلى غيره حتى يباشرها بنفسه يركب الخطأ في كثير من أموره فتغره السلامة وكتب له قبيصة بن ذؤيب الخزاعي وأبو الزعيزعة وعمرو بن الحارث مولى بني عامر بن لؤي وسرجون بن منصور الرومي وكان نقش خاتمه آمنت به مخلصاً وعلى قضائه أبو إدريس الخولاني وعبد الله بن قيس بن عبد مناف وحاجبه يوسف مولاه وقد حجبه أبو الزعيزعة وفي أيامه كانت وفاة عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بالطائف ذاهب البصر سنة 68 وله إحدى وسبعون سنة وكان مولده قبل الهجرة بثلاث سنين وصلى عليه محمد بن الحنفية أبو القاسم محمد بن علي بن أبي طالب وتوفي محمد بن الحنفية بالمدينة في المحرم سنة 81 وله خمس وستون سنة وصلى عليه أبان بن عثمان وهو يومئذ والي المدينة لعبد الملك وللكيسانية من الشيعة فيه خطوب كثيرة طويلة ودعاوى كثيرة.
وبويع الوليد بن عبد الملك بن مروان ويكنى أبا العباس وأمه ولادة ابنة العباس بن جزء بن الحارث العبسي بدمشق في اليوم الذي توفي فيه عبد الملك وتوفي بها للنصف من جمادى الآخرة سنة 96 وهو ابن ثلاث وأربعين سنة ودفن بها. وكانت مدته تسع سنين وثمانية أشهر وخمسة أيام وكان طويلاً أسمر أفطس به أثر جدري بمقدم لحيته شيب لم يغيره وكان لحانة شديد السطوة لا يتوقف عند الغضب ولا ينظر في عاقبة ولا يكلم عند سطوته تهون عليه الدماء وكتب له عبد الله بن هلال الثقفي وصالح بن عبد الرحمن مولى بني مرة بن عبيد والقعقاع بن خليد العبسي وسليمان بن سعد الخشني وكان نقش خاتمه يا وليد إنك ميت وقاضيه أبو بكر محمد بن حزم وحاجبه يزيد مولاه. قال المسعودي: وكانت وفاة الحجاج بن يوسف بن أبي عقيل عامله وعامل أبيه على العراق بواسط العراق في شهر رمضان سنة 95 قبل وفاة الوليد بتسعة أشهر وكانت ولايته على العراق عشرين سنة. وترك في بيت المال مائة ألف ألف وبضعة عشر ألف ألف درهم وتولى العراق وخراجها مائة ألف ألف درهم فلم يزل بعنته وسوء سياسته حتى صار خراجها خمسة وعشرين ألف ألف درهم ونظرت هند ابنة أسماء بن خارجة الفزاري إلى الحجاج مسجى وكانت امرأته فطلقها فقالت: ألا يا أيها الجسد المسجى لقد قرت بمصرعك العيون وكنت قرين شيطان رجيم فلما مت سلمك القرين وكان عدة من قتله الحجاج صبراً سوى من قتل في زحوفه وحروبه مائة ألف وعشرين ألفاً منهم سعيد بن جبير صاحب عبد الله بن العباس ويكنى أبا عبد الله مولى لبني والبة بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة وكان أسود قتله في سنة 94 لخروجه مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث وكميل بن زياد النخعي من بني صهبان صاحب علي بن أبي طالب وتوفي وفي محبسه خمسون ألف رجل وثلاثون ألف امرأة وكان حبسه حائراً لا شيء فيه يكنهم فيه من حر ولا برد ويسقون الماء مشوباً بالرماد.
وبويع سليمان بن عبد الملك بن مروان ويكنى أبا أيوب في اليوم الذي توفي فيه أخوه الوليد وأمه ولادة أم أخيه الوليد وهلك وهو معسكر بمرج دابق من أعمال قنسرين ممداً لأخيه مسلمة وهو على حصار القسطنطينية يوم الجمعة لعشر ليال بقين من صفر سنة 99 وله تسع وثلاثون سنة وكانت ولايته سنتين وثمانية أشهر وخمس ليال وكان طويلاً أبيض جميلاً قضيفاً جعد الشعر لم يشب فصيح اللسان كثير الأدب لين الجانب شديد العجب بشبابه وجماله أكولاً نهماً نكاحاً لا يعجل إلى سفك الدماء ولا يستنكف عن مشورة النصحاء فيه حسد شديد وكتب له عبد العزيز بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص وسليمان بن نعيم الحميري وابن بطريق النصراني. وكان نقش خاتمه آمنت بالله وعلى قضائه محمد بن حزم وحاجبه أبو عبيدة مولاه وقيل مسلم مولاه.
وبويع عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم ويكنى أبا حفص وأمه أم عاصم ابنة عاصم بن عمر بن الخطاب في اليوم الذي توفي فيه سليمان فوجه إلى مسلمة فأقفله عن حصار القسطنطينية وقد ذكرنا مدة ما أقام عليها محاصراً لها فيما سلف من هذا الكتاب في أخبار الروم بعد ظهور الإسلام في ملك تيدوس المعروف بالأرمني وتوفي عمر بدير سمعان من أعمال حمص مما يلي قنسرين مسموماً فيما قيل من قبل أهله يوم الجمعة لعشر بقين من رجب سنة 101 وله تسعة وثلاثون سنة وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر وخمسة أيام وكان أسمر حسن الوجه نحيف الجسم حسن اللحية غائر العينين بوجهه أثر من نفح دابة رمحته في صباه قد وخطه الشيب ومات ولم يخضب. وكان فاضلاً يؤثر الدين على الدنيا ويعمل عمل من يخاف يومه ويرجو غده ويقر بتدينه لما يجري أهله عليه وكان كاتبه ليث بن أبي رقية وتقش خاتمه لكل عمل ثواب وقيل عمر يؤمن بالله مخلصاً وعلى قضائه عبد الله بن سعد الأيلي وحاجبه مزاحم مولاه وقيل حسين.
وبويع يزيد بن عبد الملك بن مروان ويكنى أبا خالد وأمه عاتكة ابنة يزيد بن معاوية في اليوم الذي توفي فيه عمر وتوفي بأرض البلقان من أعمال دمشق يوم الجمعة لخمس ليال بقين من شعبان سنة 105 وهو ابن تسع وثلاثين سنة فكانت أيامه أربع سنين وشهراً. وكان طويلاً جسيماً أبيض مدور الوجه لم يشب فتى الشباب شديد الفخر ظاهر الكبر يحب اللهو ويستعمل الحجاب لا يعرف صواباً فيأتيه ولا خطأ فيدعه وكتب له أسامة بن زيد السليحي وزيد بن عبد الله وكان نقش خاتمه قنى الحساب وحاجبه سعيد مولاه وقيل خالد. وكان في أيامه من الكوائن العظيمة في الملك خلع يزيد بن المهلب بن أبي صفرة إياه واسم أبي صفرة ظالم بن سراق بن صبح بن كندي بن عمرو بن عدي بن وائل بن الحارث بن العتيك بن الأسد بن عمران بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن ثعلبة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن ابن الأزد واسمه دراء بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ. وكان يزيد في سجن عمر بن عبد العزيز يطالبه بالأموال التي كان يزيد كتب بها إلى سليمان بن عبد الملك أنها صارت إليه عند فتحه جرجان وطبرستان فلما مات عمر وذلك في رجب سنة 101 هرب يزيد من السجن وصار إلى البصرة وعليها عدي بن أرطاة الفزاري وكان قد سجن عدة إخوة ليزيد حين بلغه مسيره إليه فسامه يزيد تخليتهم فأبى واجتمع إلى يزيد جمع عظيم وبذل الأموال فكثر تبعه وسار إلى عدي فقبض عليه وسجنه وغلب على البصرة والأهواز وفارس وكرمان وخلع يزيد بن عبد الملك فندب يزيد للقائه أخاه مسلمة بن عبد الملك وابن أخيه العباس بن الوليد بن عبد الملك في جيوش كثيفة وخرج يزيد بن المهلب عن البصرة في جموع كثيفة عظيمة فالتقوا بالعقر من أرض بابل فاقتتلوا قتالاً شديداً فقتل يزيد وعدة من إخوته في جمع من أهل العراق وانهزم الباقون وذلك في سنة 102 وقيل إن الذي تولى قتل يزيد القحل بن عياش بن حسان بن سمير بن شراحيل بن عرين بن أبي جابر بن زهير بن جناب وفي ذلك يقول المسيب بن الرفل الكلبي مفتخراً: قتلنا يزيد بن المهلب بعد ما تمنيتم أن يغلب الحق باطله فما كان من أهل العراق منافق عن الدين إلا من قضاعة قاتله وقال رفيع بن أزير الأسدي في مقتله مخاطباً يزيد بن عبد الله بن مروان: إليك أمير المؤمنين مسيرنا على المقربات والمحذفة والبتر نزيد أمير المؤمنين بأرضه رءوساً جناها بين بابل والعقر ولاقى يزيد بن المهلب باكراً من الموت ساقته الحتوف وما يدري وركب من بقي من آل المهلب وأتباعهم السفن حتى صاروا إلى قندابيل من أرض السند فوجه مسلمة هلال بن أحوز المازني لأتباعهم فلحقهم بها فقتل منهم جمعاً وأسر الباقين فكان المهلب عند وفاته استخلف يزيد بن المهلب على عمله وأمر سائر إخوته بالسمع والطاعة له. وكانت وفاة المهلب بمرو الروزمن أرض خراسان في ذي الحجة سنة 83 وهو على إمرتها يومئذ وفيه يقول نهار بن توسعة التميمي: ألا ذهب العز المقرب للتقى ومات الندى والجود بعد المهلب أقاما بمرو الروز وهني ضريحه فقد غيبا عن كل شرق ومغرب ذكر أيام هشام بن عبد الملك وبويع هشام بن عبد الملك بن مروان ويكنى أبا الوليد وأمه أم هشام بنت هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي في اليوم الذي توفي فيه يزيد وتوفي بالرصافة من أرض قنسرين مما يلي البر يوم الأربعاء لست ليال خلون من شهر ربيع الآخر سنة 125 وله ثلاث وخمسون سنة وكانت ولايته تسع عشرة سنة وسبعة أشهر وإحدى عشرة ليلة وكان أبيض إلى الصفرة ما هو أحول شديد انقلاب العين يخضب لحيته بالسواد ربعة من الرجال حسن البدن خشن الجانب شكس الأخلاق دقيق النظر جامعاً للأموال قليل البذل للنوال متيقظاً في سلطانه سائساً لرعيته مباشراً للأمور بنفسه لا يغيب عنه شيء من أمر مملكته وكتب له محمد بن عبد الله بن حارثة الأنصاري وأسامة بن زيد السليحي وسالم مولى سعيد بن عبد الملك وكان نقش خاتمه الحكم الحكيم وعلى قضائه محمد بن صفوان الجمحي ونمير بن أوس الأشعري وحاجبه غالب مولاه. وفي السنة السابعة عشرة من ولايته وهي سنة 122 كان ظهور زيد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب بالكوفة في نفر يسير وعليها يوسف بن عمر الثقفي وقد كان بايعه خلق كثير ثم قعدوا عنه ولم يفوا له فلقيه يوسف ابن عمر في جموع عظيمة فقاتلهم زيد قتالاً شديداً إلى أن قتل ومن معه في صفر من هذه السنة وصلب بالكناسة.
وبويع الوليد بن يزيد بن عبد الملك ويكنى أبا العباس وأمه أم الحجاج ابنة محمد بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي في الوقت الذي هلك فيه هشام فقدم نزار واستبطنها وجفا اليمن وأطرحها واستخف بأشرافها وعمد إلى خالد القسري وهو خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد بن كرز بن عامر بن عبد الله ابن عبد شمس بن غمغمة بن جرير بن شق الكاهن بن صعب بن يشكر بن رهم ابن أفرك بن أفصى بن نذير بن قسر بن عبقر بن أنمار وكان رئيس اليمينية في وقته المنظور إليه منهم وكان على العراق وما يليه من الأهواز وفارس والجبال وأخوه أسد بن عبد الله على خراسان فدفعه إلى يوسف بن عمر الثقفي عامله على العراق فحمله إلى الكوفة وعذبه حتى قتله. وقال الوليد: عند ذلك يوبخ اليمن ويقرعها ويذكر خالداً ويفتخر بنزار في قصيدة له طويلة أولها: ألم تهتج فتدكر الوصالا وحبلاً كان متصلاً فزالا وهذا خالد فينا أسيراً ألا منعوه إن كانوا رجالا عميدهم وسيدهم قديماً جعلنا المخزيات له ظلالا وتتابعت من الوليد فعال أنكرها الناس عليه فدب يزيد بن الوليد في الدعاء إلى خلعه فأجابته اليمن بأسرها وعاضدوه ووثبوا معه على عامل الوليد بدمشق فأجابوه وبايعوا يزيد ثم ساروا إلى الوليد وهو في الحصن المعروف بالبخراء مما يلي البر بين حمص ودمشق فقتلوه وذلك يوم الخميس لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة 126 وله اثنان وأربعون سنة فأخذوا بنيه وليي عهده الحكم وعثمان فقتلا بعد ذلك بدمشق مع يوسف بن عمر الثقفي. فقال الأصبغ بن ذؤالة الكلبي في ذلك: من مبلغ قيساً خندف كلها وساداتها من عبد شمس وهاشم قتلنا أمير المؤمنين بخالد وبعنا وليي عهده بالدراهم وقال خلف بن خليفة البجلي: تركنا أمير المؤمنين بخالد مكباً على خيشومه غير ساجد وإن سافر القسري سفرة هالك فإن أبا العباس ليس بعائد أقرى معه الهوان فإننا قتلنا أمير المؤمنين بخالد ذكر أيام مروان بن محمد وبويع مروان بن محمد بن مروان بن الحكم ويكنى أبا عبد الله وأبا عبد الملك وأمه أم ولد يقال لها زبادة كانت لإبراهيم بن الأشتر النخعي فصارت إلى محمد ابن مروان يوم قتل إبراهيم وإبراهيم على مقدمة مصعب بن الزبير ومحمد على مقدمة أخيه عبد الملك بن مروان وقيل إنها كانت حاملاً من إبراهيم فجاءت بمروان على فراش محمد بن مروان وكانت بنو أمية تكره أن تولي الخلافة أبناء أمهات الأولاد لأنها كانت ترى أن ذهاب ملكها على يدي ابن أمة فكان ذلك مروان بن محمد وكانت البيعة له يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من صفر سنة 127 ونزل حران من أرض الجزيرة. وكان جميع من ملك من قبله من بني أمية ينزلون دمشق ومنهم من كان يتبدى وكانت أيامه كلها فتناً وحروباً ولم تصف له الأمور وخالفه أهل حمص وخلعوا طاعته فحصرهم وحاربهم دفعة بعد أخرى وخلعه أهل مصر إلى أن سير إليهم الجنود فعادوا إلى طاعته وخالفه بنو هشام بن عبد الملك سليمان وأبان وغيرهما مع من انضاف إليهم من بني أمية وحاربوه مرة بعد أخرى وخالفه ثابت بن نعيم الجذامي وأجابه كثير من أجناد الشأم كفلسطين وغيرها. وغلب الضحاك بن قيس الشيباني من بني المحلم بن ذهل بن شيبان الخارجي الصفري على العراق ولم يغلب أحداً من الخوارج قبله ولا بعده عليهما وسار للقاء مروان في جيوش عظيمة ومعه سليمان بن هشام بن عبد الملك في جمع مواليه ورجاله مؤتماً بالضحاك تابعاً له وفي ذلك ألم تر أن الله أنزل نصره وصلت قريش خلف بكر بن وائل فالتقيا بكفر توثا من بلاد الجزيرة وأقاموا يقتتلون أياماً كثيرة في سنة 129 وسارت الخوارج الإباضية من اليمن من قبل عبد الله بن يحيى الكندي الملقب طالب الحق عليهم أبو حمزة المختار بن عوف الأزدي وبلج بن عقبة فنزلوا مكة يوم عرفة من هذه السنة ووادعهم عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك بن مروان عامله مكة إلى انقضاء الحج ثم هرب وخلاها وسار إلى المدينة ودخلت الخوارج مكة فجهز عبد الواحد للقائهم جيشاً أمر عليهم عبد العزيز بن عبد الله ابن عمرو بن عثمان وخرجت الخوارج من مكة فالتقوا بقديد في صفر سنة 130 فقتل عبد العزيز في جمع كثير منهم من أهل المدينة سبعمائة أكثرهم من قريش ولم ينج إلا الشريد فقالت نائحتهم: ما للزمان وماليه أفنت قديد رجاليه فلأبكين سريرة لأبكين علانية ودخلت الخوارج المدينة فغلبوا عليها ثلاثة أشهر فوجه مروان للقائهم عبد الملك بن محمد بن عطية السعدي سعد بن بكر بن هوازن في أربعة آلاف فالتقوا بوادي القرى فقتل بلج وأكثر الخوارج ونجا أبو حمزة فصار إلى مكة ولحقه عبد الملك فقتله بها وجمعاً من أصحابه ولحق بقيتهم بعبد الله بن يحيى وسار عبد الملك إلى اليمن فلقيه عبد الملك بن يحيى بنواحي صنعاء فاقتتلا قتالاً شديداً فقتل عبد الله وأكثر من كان معه وذلك في هذه السنة. واشتد أمر أبي مسلم الخراساني وأخرج نصر بن سيار عامل مروان عنها وسير قحطبة بن شبيب الطائي في جيوش كثيفة فقتل نباتة بن حنظلة الكلابي عامل مروان على جرجان في نحو من ثلاثين ألفاً وعامر بن ضبارة المري بأصبهان في نحو من أربعين ألفاً وسار في جيوشه نحو العراق وسار يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري عامل مروان للقائه فالتقيا بالفرات مما يلي الكوفة فهزم ابن هبيرة وغرق قحطبة وسارت المسودة إلى الكوفة فبايعوا لأبي العباس السفاح. وسار عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس عم السفاح في جمع غفير عظيم للقاء مروان. وسار مروان في جيوش عظيمة وجموع مهولة وعدد كثيرة فالتقيا بالزاب من أرض الموصل يوم السبت لإحدى عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة سنة 132 فهزم مروان واستولى على عسكره وقتل من أصحابه جمع عظيم فسار حتى أتى الشأم والجيوش تتبعه فصار إلى مصر فقتل ببوصير الأشمونين من صعيدها ليلة الأحد لثلاث بقين من ذي الحجة من هذه السنة وله سبعون سنة وقيل أقل من ذلك. وكانت أيامه إلى أن قتل خمس وسنين وعشرة أشهر وأحد عشر يوماً. وكان شديد الشهلة أبيض مشرباً حمرة ضخم الهامة والمنكبين كبير اللحية وكان مجرباً صابراً على التعب والنصب يغري بين القبائل ويغضب بين العشائر يلقي أموره وهي مدبرة ويريد أن يجعلها مقبلة. واصطفى قيس عيلان وانحرف عن اليمن وبادأها العداوة فصارت عليه إلباً وله حرباً وكان كاتبه عبد الحميد بن يحيى بن سعد بن عبد الله بن جابر بن مالك بن حجر بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب. وكان مفوهاً بليغاً له رسائل مجموعة متناقلة يقتدى بها ويعمل عليها ورأيت له عقباً بفسطاط مصر يعرفون ببني مهاجر وقد كان منهم عدة يكتبون لآل طولون. ونقش خاتمه فوضت أمري إلى الله وعلى قضائه عثمان بن عمرو البتي وحاجبه صقلاب مولاه. قال المسعودي أبو الحسن علي بن الحسين بن علي: وكانت مدة ملك بني أمية على ما قدمنا من التاريخ منذ صالح الحسن بن علي معاوية وسلم له الأمر إلى أن قتل مروان بن محمد آخر ملوكهم إحدى وتسعين سنة وسبعة أشهر وسبعة وعشرين يوماً وتنازع أصحاب السير والتواريخ ومن عني بأخبار ملوك العالم في زيادة شهور وأيام في مدتهم ونقصانها عما ذكرنا وكذلك باين هؤلاء أصحاب كتب الزيجة في النجوم فيما ذكروه في كتب زيجاتهم ورسموه من مقادير أيامهم وقد أتينا على ما قاله كل فريق منهم في مقادير أيامهم وأيام من كان من بعدهم إلى وقتنا هذا وهو سنة 345 في كتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر في تحف الأشراف من الملوك وأهل الدرايات وفي كتاب فنون المعارف وما جرى في الدهور السوالف وفي كتاب الاستذكار لما جرى في سالف الأعصار الذي كتابنا هذا تال له ومبني عليه وإنما الغرض من هذا الكتاب إيراد لمع من ذلك دون الشرح والإيضاح ليسهل درسه على قارئه ويقرب حفظه على راويه ذكر ما جرت عليه أحوال بني أمية بعد قتل مروان بن محمد وتفرقهم في البلاد وسبب تملك عبد الرحمن ابن معاوية بن هشام على بلاد الأندلس وولده إلى وقتنا هذا وما اتصل ذلك لما قتل مروان بن محمد بن مروان تفرقت بنو أمية في البلاد هرباً بأنفسهم وقد كان عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب قتل منهم على نهر أبي فطرس من بلاد فلسطين نحواً من ثمانين رجلاً مثلة واحتذى أخوه داود بن علي بالحجاز فعله فقتل منهم نحواً من هذه العدة بأنواع المثل وكان مع مروان حين قتل ابناه عبد الله وعبيد الله وكانا وليي عهده فهربا فيمن تبعهما من أهلهما ومواليهما وخواصهما من العرب ومن انحاز إليهم من أهل خراسان من شيعة بني أمية فساروا إلى أسوان من صعيد مصر وساروا على شاطئ النيل إلى أن دخلوا أرض النوبة وغيرهم من الأحابش ثم توسطوا أرض البجة ميممين باضع من ساحل بحر القلزم فكانت له من مروا به من هذه الأمم حروب ومغاورات ونالهم جهد شديد وضر عظيم فهلك عبيد الله بن مروان في عدة من كان معهم قتلاً وعطشاً وضراً وشاهد من بقي منهم أنواع الشدائد وضروب العجائب ووقع عبد الله بن مروان في عدة ممن نجا معه إلى باضع من ساحل المعدن وأرض البجة وقطع البحر إلى جدة من ساحل مكة وتنقل فيمن نجا معه من أهله ومواليه في البلاد متسترين راضين أن يعيشوا سوقةً بعد أن كانوا ملوكاً فظفر بعبد الله أيام أبي العباس السفاح فأودع السجن فلم يزل فيه بقية أيام أبي العباس وأيام المنصور والمهدي والهادي فأخرجه الرشيد وهو شيخ ضرير فسأله عن خبره. فقال: يا أمير المؤمنين حبست غلاماً بصيراً وأخرجت شيخاً ضريراً فقيل إنه هلك في أيام الرشيد وقيل بل في أيام الأمين. كان عامل إفريقية لمروان عبد الرحمن بن حبيب الفهري وكان كاتب مروان وهو بمصر ورغبه في المصير إليه وذكر له كثرة جنوده وعدده ومنعة بلاده ثم تعقب الرأي فعلم أن مروان إن قدم صار كأحد أتباعه وجنوده وأن من وراءه المسودة يتبعونه فكتب إلى مروان يعرفه كراهية من قبله من الجنود لذلك فعوجل فقطع النيل ومضى إلى الصعيد فقتل هناك وقيل إن كتاب عبد الرحمن الذي يستدعيه فيه جاءه وقد قطع النيل إلى الجانب الغربي لمعاجلة المسودة إياه ودخولهم فسطاط مصر فمضى إلى بوصير الأشمونين من صعيد مصر ليصير إلى إفريقية على طريق الواحات فبادرته المسودة بالعبور إليه. وقدم على عبد الرحمن بن حبيب بعد قتله جماعة من بني أمية يرجون الأمر في بلاده منهم عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان ولؤي والعاص ابنا الوليد بن يزيد فبلغ عبد الرحمن عن ابني الوليد شيء أنكره ففتك بهما فاشتد خوف عبد الرحمن بن معاوية منه فهرب وقطع المجاز الذي بين أفريقية والأندلس الآخذ من بحر أوقيانس المحيط إلى بحر الرومي وصار إليها وعاملها يوسف بن عبد الرحمن الفهري وقد عظم الخطب من العصبية بين من بها من اليمانية والنزارية ودامت عدة سنين فطمع في الغلبة عليها وكاتب اليمانية ودعاهم إلى نفسه وسير بدراً مولاه إليهم فبايعوه وسارعوا إلى طاعته وسرّوا بقدومه وبلغ يوسف بن عبد الرحمن أمره فسار إليه في النزارية وغيرهم من أنصاره فاقتتلوا قتالاً شديداً فهزم يوسف بن عبد الرحمن وقتل أصحابه قتلاً ذريعاً وذلك في سنة 139 واستولى عبد الرحمن على بلاد الأندلس وهو صقع جليل ومملكة عظيمة يكون مسيرته نحواً من أربعين يوماً في مثلها فيه مدن كثيرة وعمائر متصلة واستقام له الأمر بعد أن بذل السيف في مخالفته فاستوسق الجميع على طاعته لم يكن خطب لأحد من بني العباس بالأندلس إلى ذلك الوقت ولأجل ذلك أفردنا هذا الباب لتسمية ملكها إذ كانت مملكة مفردة لبني أمية ورسوماً قائمة إلى هذا الوقت ويم يتبدل ولم ينتقل فملك عبد الرحمن بلاد الأندلس ثلاثاً وثلاثين سنة وأربعة أشهر. وكانت وفاته غرة جمادى الأولى سنة 172 فولى بعده ابنه هشام بن عبد الرحمن بن معاوية سبع سنين وتسعة أشهر وكانت وفاته في صفر سنة 180. فولي بعده الحكم بن هشام بن عبد الرحمن سبعاً وعشرين سنة وشهراً وخمسة وعشرين فولي بعده ابنه عبد الرحمن بن الحكم بن هشام اثنتين وثلاثين سنة وأربعة أشهر وتوفي في ربيع الآخر سنة 238 فولي بعده ابنه محمد بن عبد الرحمن بن الحكم أربعاً وثلاثين سنة وعشرة أشهر وعشرين يوماً وتوفي لليلة بقيت من صفر سنة 273 فولي بعده ابنه المنذر بن محمد بن عبد الرحمن سنة وأحد عشر شهراً وثلاثة عشر يوماً. وتوفي للنصف من صفر 275 فولي بعده أخوه عبد الله بن عبد الرحمن خمساً وعشرين سنة وخمسة عشر يوماً وتوفي مستهل ربيع الأول سنة 300. فولي بعده ابن ابنه عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك ابن مروان إلى وقتنا هذا وهو سنة 45 خمساً وأربعين سنة وبلده عامر والعدل فيه شامل ولم يكن فيمن سمينا من آبائه ممن ملك الأندلس أحد يسمى بأمرة المؤمنين وكانوا يسمون بني الخلائف إلى أن ملك هو فخوطب بها وصدرت عنه الكتب بذلك ووردت وخطب له به على المنابر وجعل ولاية العهد بعده لابنه الحكم بن عبد الرحمن دون سائر إخوته لما تخيل فيه قال المسعودي وقد ذكرنا في الأخبار المعروفة بالمسعوديات التي نسبت إلينا وفي كتاب وصل المجالس جملاً من أخبار من سمينا من ولاة الأندلس وسياستهم وحروبهم مع من يجاورهم من الجلالقة والناسقس والوشكنش وقرمانيش وغوطس وغيرهما من الإفرنجية براً وبحراً. وما كان من الأندلس من الحروب والفتن مذ افتحها طارق مولى موسى ابن نصير في سنة 92 في أيام الوليد بن عبد الملك إلى وقتنا هذا وعبور طارق مولى موسى إليها وقتله لذريق ملك الإشبان الذين كانوا بالأندلس وعبور موسى بن نصير بعده وما لقي من الأمم وشاهد من العجائب وخبر المائدة الذهب والبيت الذي كان فيه تيجان ملوكهم السالفة. وذكرنا في كتاب فنون المعارف وما جرى في الدهور السوالف ما كان ببلاد أفريقية من الحروب والوقائع والزحوف منذ افتتحت وخبر موسى بن نصير ومن بها كان بعده من الأمراء إلى أن أفضى أمر تملكها في أيام الرشيد إلى إبراهيم بن الأغلب بن سالم بن تميم بن سوادة التميمي وخبره وخبر ولده من بعده إلى أن زال الأمر عنهم باستيلاء أبي عبد الله الشيعي الداعية المعروف بالمحتسب على ممكتهم وخروجه في كتامة من البربر وما كان بينه وبين آل الأغلب من الوقائع والزحوف وتسليمه الأمر إلى عبيد الله وقتل عبيد الله إياه. وما كان من خبره بعد ذلك وبنائه مدينة المهدية وتسييره الجيوش إلى بلاد مصر للاستيلاء عليها مرة بعد أخرى وذلك في سنة 302 ووفاته ومصير الأمر بعده إلى أبي القاسم عبد الرحمن وخروج أبي زيد مخلد بن كيداد البربري الزناتي من بني يفرن الإباضي ثم النكاري في الإباضية وغيرهم وما كان بينهم وبين جيوش أبي القاسم من الوقائع والحروب ومن قتل منهم إلى أن غلب على أكثر إفريقية وحصاره أبا القاسم في المهدية إلى أن مات بها. وخروج ابنه إسماعيل بن أبي القاسم ومواقعته أبا يزيد وما كان بينهم من الحروب وانفضاض الجيوش عن أبي يزيد وحصره إياه إلى أن قتل أبو يزيد لخمس ليال بقين من المحرم سنة 336 وإن عدة من وقع عليه الإحصاء ممن قتل في تلك الحروب نحو من أربعمائة ألف ووفاة إسماعيل ومصير الأمر بعده إلى ابنه أبي تميم معد بن إسماعيل إلى هذا الوقت وغير ذلك من الأخبار مما شرحناه وبينها في كتاب تقلب الدول وتغير الآراء والملل وإنما نذكر في هذا المختصر لمعاً وجوامع استذكاراً لما تقدم تأليفه من كتبنا في هذه المعاني وتنبيهاً عليه. وقد رأينا بعض المتأخرين ممن ينحرف عن الهاشميين الطالبيين منهم والعباسيين ويتحيز إلى الأمويين ويقول بإمامتهم يذكر أنه كانت لمن ملك من بني أمية ألقاب كألقاب خلفاء العباسيين إحداهما قال روى محمد بن عبد الله بن محمد القرشي قال حدثنا مصعب بن عبد الله عن أبيه عن جده. قال حدثني سابق مولى عبد الملك بن مروان. قال سمعت أمير المؤمنين عبد الملك يقول: تلقب أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان بالناصر لحق الله ويزيد بن معاوية بالمستنصر على الربيع ومعاوية ابن يزيد بالراجع إلى الله ومروان بالمؤمن بالله والثانية. وقال حدثنا أبو مطرف عن أبيه عن جده. قال: تلقب عبد الملك بالمؤثر لأمر الله والوليد ابن عبد الله بالمنتقم لله ولقب سليمان بن عبد الملك بالمهدي لما أحدث من قطع ما كان على المنبر وعهده إلى عمر بن عبد العزيز وتلقب هو بالداعي إلى الله وعمر بن عبد العزيز بالمعصوم بالله ويزيد بن عبد الملك بالقادر بصنع الله وسمي هشام بن عبد الملك بالمنصور وذلك أنه ولد في الساعة التي ورد الكتاب فيها بما كان من مقتل مصعب بن الزبير فلما قدم أبوه جيء به إليه وخبر باسمه فقال ليس هذا من أسمائنا بل سموه باسم جده لأمه من آل الله وتلقب الوليد بن يزيد بالمكتفي بالله ويزيد بن الوليد بالشاكر لأنعم الله وإبراهيم بن الوليد بالمتعزز بالله ومروان بن محمد بالقائم بحق الله وكان عبد العزيز بن مروان إذ كان ولي عهد يدعى له على المنابر بالمعظم لحرمات الله وكان مسلمة بن عبد الملك لما بنى مدينته التي على خليج القسطنطينية سماها مدينة القهر وتسمى القاهر بعون الله قال المسعودي: وهو إن جاء بهاتين الروايتين فإن الكافة على خلافه فلو كان الأمر على ما ذكر لظهر واشتهر واستفاض وجاء في الأخبار المنقولة القاطعة للعذر والأعمال الموروثة فلما لم يذكره الجمهور من جملة الأخبار ونقلة السير والآثار ولا دونه مصنفو الكتب في التواريخ والسير ممن ذكر أخبارهم ووصف أيامهم ممن تولاهم وانحرف عنهم علم أن ذلك لا أصل له ورأيت في سنة 324 بمدينة طبرية من بلاد الأردن من أرض الشأم عند بعض موالي بني أمية ممن ينتحل العلم والأدب ويتحيز إلى العثمانية كتاباً فيه نحو من ثلاثمائة ورقة بخط مجموع مترجم بكتاب البراهين في إمامة الأمويين ونشر ما طوي من فضائلهم أبواب مترجمة ودلائل مفصلة يذكر فيه خلافة عثمان ابن عفان ومعاوية ويزيد ومعاوية بن يزيد ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان ومن تلاه من بني مروان إلى مروان بن محمد بن مروان بن الحكم ثم يذكر عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك وأن مروان بن محمد نص عليه وعهد بالأمر بعده إليه وينسق سائر من تملك الأندلس من بني أمية من ولد عبد الرحمن المقدم ذكرهم إلى سنة 10. وذكر عبد الرحمن بن محمدالوالي عليها في هذا الوقت وهو سنة 345 ووصف لكل واحد منهم فضائل ومناقب وأموراً استحق بها الإمامة ونصوصاً على أسمائهم وأعيانهم وادعى الأخبار المتواترة الجائية مجيء الاستفاضة وعزى ذلك إلى شيعة العثمانية ورجال السفيانية وأنصار المروانية معارضاً لأهل الإمامة وهم جمهور الشيعة في المنصوص والنقل ومستدلاً على فساد أقاويل أصحاب الاختيار من المعتزلة والزيدية والخوارج والمرجئة والحشوية والنابتة ومناقضاً لأصحاب النص على أبي بكر من أصحاب الحديث وأتى بمسائل ومعارضات على من ذكرنا وإلزامات. وذكر من بعد ذلك أخباراً من أخبار الملاحم الآتية والأنباء الكائنة مما يحدث في المستقبل من الزمان والآتي من الأيام من ظهور أحدهم ورجوع دولتهم وظهور السفياني في الوادي اليابس من أرض الشأم فيغسان وقضاعة ولخم وجذام وغاراته وحروبه ومسير الأمويين من بلاد الأندلس إلى الشأم وأنهم أصحاب الخيل الشهب والروايات الصفر وما يكون لهم من الوقائع والحروب والغارات والزحوف ولم يذكر في هذا الكتاب هذه الألقاب ولا شيئاً منها.
|